تمنح وسائل التواصل الاجتماعي، والتي اصطلح على تسميتها الإعلام الاجتماعي أو الجديد، مساحة من التعبير بوسائط متعددة ولغات مختلفة. فقد أتاحت مواقع التواصل الاجتماعي فرصاً شتّى لمستخدمي الانترنت لصنع حراك جمعيّ حول قضية ما. لكن القضية المتعلقة بهذا الطرح هي القدرة على استبدال التواصل والاتصال المباشرين بالتواصل عبر الانترنت من جهة، أو الاستغناء عن وسائل الإعلام التقليدية (التلفاز والإذاعة والصحيفة)، التي أثبتت تحيزّها في العديد من القضايا الدوليّة، من جهة أخرى.
العديد من الآراء تشكك بقدرة الإعلام الاجتماعي على تشكيل بديل عن الحراك الفعلي والتواصل المباشر، فمثلاً في كتاب (إعلام جديد، حراكات جديدة(1) يقول الباحثان وولغريف وإلست إن: "هناك شكوكاً حول الاعتصامات والحراكات الافتراضية على الانترنت، فهذه الحراكات خالية من المشاعر الجمعيّة الموّحدة للمشاركين في الحراك الفعليّ على الأرض". ويضيف الباحثان: "الثقة تكون أكبر بين المشاركين في الحراك الجمعيّ إن كان التواصل بينهم مباشراً ولا يقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي". بينما يرى مؤلفا كتاب (اعتصام على الانترنت(2)، جوريك ولوجي، أن الانترنت سهّل من عملية الاتصال والتواصل وشكّل أداةً هامّة لجمع الناس بسرعة فائقة، ومنح المعتصمين على الانترنت قدرة هائلة على جذب انتباه الحكومات والمؤسسات بسبب تأثيره الفائق على الناس والقدرة على تجميعهم في بوتقة واحدة رغم المسافات".
في الطرحين السابقين كمثال على عدّة أطروحات علمية وأكاديمية في هذا المجال البحثي، نرى أن سلوك المستخدم للانترنت وخصوصاً السلوك الذي يهدف لتشكيل حراك جمعيّ سياسي أو اجتماعي أو ثقافي، ما زال قيد البحث، وما زال قابلاً لتشكيل نظريات وآراء متناقضة حوله. ولعل أحد أسباب وجود هذه المساحة المرنة لطرح الآراء هو اختلاف البيئة الحاضنة للحراك الجمعيّ من نواح سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية، وغيرها من العوامل التي تؤثر في توجهات الأفراد ومطالبهم، إلى جانب حداثة هذا الحقل البحثي الذي يرتبط بالعلوم الاجتماعية والتي في غالبها لا تشبه المعادلات الحسابية محسومة النتائج، نظراً للمتغيّرات المطردة في المجتمعات.
محلياً، في فلسطين، الحراك الجمعيّ ليس حالة عابرة. فبسبب وجود الاحتلال وتبعات احتكاك المواطن اليومي بكافة مظاهر الاحتلال، لا نستطيع اعتبار الحراك الجمعيّ فعلاً موسمياً مرتبطاً بقضية معاصرة. فالحراك الفلسطيني المتعلق بالمناصرة والحشد والتوعية الإلكترونية والواقعية للقضية الفلسطينية هو فعل دائم ومستمر وإن اختلفت وتيرته باختلاف وتيرة الأحداث على أرض الواقع، وباختلاف أولويات المرحلة.
الكاتبة الأمازيغية، مريم أوراغ، في بحثها (انتفاضة الانترنت والهوية الفلسطينية(3)، ترى أن الانترنت منح مساحة للفلسطينيين كبديل عن المساحة الواقعية تحت الاحتلال والمرتبطة بمنع التجول والحصار والقيود على السفر الخارجي والداخلي. فترى أوراغ أن الانترنت منح الفلسطيني منصّة عالمية ليثبت وجوده في العالم بطريقة مختلفة. وبالنظر إلى طرح الباحثة نجد أن الإعلام الاجتماعي فعلاً قد منح الفلسطيني هذه المساحة الإلكترونية من الحراك الاجتماعي في العديد من القضايا المحليّة، إلا أن الطابع السائد هو سياسي نظراً للفرقة الجغرافيّة التي عززها الاحتلال الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة وخارجها مع اللاجئين الفلسطينيين في الدول الأخرى.
فعندما يخذل الإعلام التقليدي قضايا الشعوب، يأتي الانترنت ليمنحها مساحة أكثر حرية، وإن علمنا يقيناً أن لا حرية مطلقة في ميزان القوى الدولية. وعلى الرغم من هذه النظرة التفاؤلية لاستغلال هذه المنصّات الالكترونية لإعلاء صوت الحراك الجمعيّ الفلسطيني ضد الاحتلال، إلا أن سيل المعلومات الهائل على الانترنت وقدرة مستخدم الانترنت على انتقاء ما يتعرض له من هذه المعلومات – إلى حدٍّ ما - تبقى من العوامل التي تشكّل تحديّاً في تشكيل رأي عام عالمي يدعم القضية الفلسطينية من خلال الانترنت وحده.
[1]Aelst, P. V., & Walgrave, S. (2004). New Media, new movements? In W. v. Donk, B. D. Loader, P. G. Nixon, & D. Rucht, Cyberprotest, New Media, Citizens and Social Movements (pp. 97-122). New York : Routledge .
[2] Gurak , L. J., & Logie , J. (2003 ). Internet protest, from Text to Web. In M. McCaughey, & M. D. Ayers, CYBERACTIVISM, Online Activism in Theory and Practice (pp. 25-46 ). New York and London : Routledge .
[3] Aouragh, M. (2003). Cyber Intifada and Palestinian Identity. ISIM Newsletter, 12(1), 42-43 .